فصل: فصل: علم مما سبق أن كل طائفة من هؤلاء الطوائف الأربع واقعون في محاذير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


فصل‏:‏ علم مما سبق أن كل طائفة من هؤلاء الطوائف الأربع واقعون في محاذير

الأول‏:‏ مخالفة طريق السلف‏.‏

الثاني‏:‏ تعطيل النصوص عن المراد بها‏.‏

الثالث‏:‏ تحريفها إلى معان غير مرادة بها‏.‏

الرابع‏:‏ تعطيل الله عن صفات الكمال التي تضمنتها هذه النصوص‏.‏

الخامس‏:‏ تناقض طريقتهم فيما أثبتوه وفيما نفوه‏.‏

فنقول لكل واحد منهم في جانب الإثبات‏:‏ أثبت ما نفيت مع نفي التشبيه، كما أثبت ما أثبت مع نفي التشبيه‏.‏

ونقول له في جانب النفي‏:‏ انف ما أثبت خوفًا من التشبيه، كما نفيت ما نفيت خوفًا ما التشبيه وإلا كنت متنافضًا‏.‏

والقول الفصل المطرد السالم من التناقض ما كان عليه سلف الأمة وأئمتها من إثبات ما أثبته الله تعالى‏:‏ لنفسه من الأسماء والصفات ، إثباتًا بلا تمثيل، وتنزيهًا بلا تعطيل ، وإجراء النصوص على ظاهرها على الوجه اللائق بالله عز وجل من غير تحريف ، ولا تعطيل ، ولا تكييف ، ولا تمثيل‏.‏

ويتبين هذا بأصلين، ومثلين، وخاتمة‏:‏

فأما الأصلان‏:‏

فأحدهما‏:‏ أن يقال لمن يثبت بعض الصفات دون بعض‏:‏

‏"‏ القول في بعض الصفات كالقول في بعض ‏"‏‏.‏

أي إن من أثبت شيئًا مما أثبته الله لنفسه من الصفات أُلزم بإثبات الباقي، ومن نفى شيئًا منه ألزم بنفي ما أثبته وإلا كان متناقضًا‏.‏

مثال ذلك‏:‏ إذا كان المخاطب يثبت لله تعالى‏:‏ حقيقة الإرادة، وينفي حقيقة الغضب ويفسره‏:‏ إما بإرادة الانتقام، وإما بالانتقام نفسه‏.‏

فيقال له‏:‏ لا فرق بين ما أثبتّه من حقيقة الإرادة وما نفيته من حقيقة الغضب، فإن كان إثبات حقيقة الغضب يستلزم التمثيل، فإثبات حقيقة الإرادة يستلزمه أيضًا‏.‏

وإن كان إثبات حقيقة الإرادة لا يستلزمه، فإثبات الغضب لا يستلزمه أيضًا، لأن القول في أحدهما كالقول في الآخر، وعلى هذا يلزمك إثبات الجميع، أو نفي الجميع‏.‏

فإن قال‏:‏ الإرادة التي أثبتها لا تستلزم التمثيل، لأنني أعني بها إرادة تليق بالله عز وجل لا تماثل إرادة المخلوق‏.‏

قيل له‏:‏ فأثبت لله غضبًا يليق به ولا يماثل غضب المخلوق‏.‏

فإن قال‏:‏ الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام وهذا لا يليق بالله تعالى‏:‏‏.‏

قيل له‏:‏ والإرادة ميل النفس إلى جلب منفعة أو دفع مضرة وهذا لا يليق بالله سبحانه وتعالى‏:‏‏.‏

فإن قال‏:‏ هذه إرادة المخلوق، وأما إرادة الله فتليق به‏.‏

قيل له‏:‏ والغضب بالمعنى الذي قلت غضب المخلوق، وأما غضب الله فيليق به، وهكذا القول في جميع الصفات التي نفاها يقال له فيها ما يقوله هو فيما أثبته‏.‏

فإن قال‏:‏ أُثْبِت ما أثبتُّه من الصفات لدلالة العقل عليه‏.‏

أجبنا عنه بثلاثة أجوبة سبق ذكرها آخر الرد على الطائفة الأولى‏.‏

الأصل الثاني‏:‏ أن يقال لمن يقر بذات الله تعالى‏:‏ ويمثل في صفاته أو ينفيها ‏:‏

‏"‏ القول في الصفات كالقول في الذات‏"‏‏.‏

يعني أن من أثبت لله تعالى‏:‏ ذاتًا لا تماثل ذوات المخلوقين لزمه أن يثبت له صفات لا تماثل صفات المخلوقين، لأن القول في الصفات كالقول في الذات، وهذا الأصل يخاطب به أهل التمثيل، وأهل التعطيل من المعتزلة ونحوهم‏.‏

فيقال لأهل التمثيل‏:‏ ألستم تثبتون لله ذاتًا بلا تمثيل فأثبتوا له صفات بلا تمثيل‏.‏

ويقال لأهل التعطيل من المعتزلة ونحوهم‏:‏ ألستم تقولون بوجود ذات لا تشبه الذوات فكذلك قولوا بصفات لا تشبه الصفات‏.‏

مثال ذلك‏:‏ إذا قال‏:‏ إن الله استوى على العرش فكيف استواؤه‏؟‏

فيقال له‏:‏ القول في الصفات كالقول في الذات فأخبرنا كيف ذاته‏؟‏

فإن قال‏:‏ لا أعلم كيفية ذاته‏.‏

قيل له‏:‏ ونحن لا نعلم كيفية استوائه‏.‏

وحينئذ يلزمه أن يقر باستواء حقيقي غير مماثل لاستواء المخلوقين ولا معلوم الكيفية، كما أقر بذات حقيقية غير مماثلة لذوات المخلوقين ولا معلومة الكيفية، كما قال مالك وشيخه ربيعة وغيرهما في الاستواء‏:‏ ‏"‏الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة‏"‏ ‏[‏‏]‏‏.‏

فقوله‏:‏ ‏(‏الاستواء معلوم‏)‏ أي معلوم المعنى في اللغة العربية التي نزل بها القرآن وله معان بحسب إطلاقه وتقييده بالحرف فإذا قيد بـ ‏(‏على‏)‏ كان معناه العلو والاستقرار كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك‏}‏ ‏[‏المؤمنون‏:‏ 28‏]‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 13‏]‏‏.‏ فاستواء الله تعالى‏:‏ على عرشه علوه عليه علوًا خاصًا يليق به، على كيفية لا نعلمها، وليس هو العلو المطلق على سائر المخلوقات‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏والكيف مجهول‏"‏ أي إن كيفية استواء الله على عرشه مجهولة لنا وذلك لوجوه ثلاثة‏:‏

الأول‏:‏ أن الله أخبرنا أنه استوى على عرشه ولم يخبرنا كيف استوى‏.‏

الثاني‏:‏ أن العلم بكيفية الصفة فرع عن العلم بكيفية الموصوف وهو الذات، فإذا كنا لا نعلم كيفية ذات الله فكذلك لا نعلم كيفية صفاته‏.‏

الثالث‏:‏ أن الشيء لا تعلم كيفيته إلا بمشاهدته، أو مشاهدة نظيره أو الخبر الصادق عنه، وكل ذلك منتفٍ في استواء الله عز وجل على عرشه وهذا يدل على أن السلف يثبتون للاستواء كيفية لكنها مجهولة لنا‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ والإيمان به واجب‏"‏ أي إن الإيمان بالاستواء على هذا الوجه واجب، لأن الله تعالى‏:‏ أخبر به عن نفسه، وهو أعلم بنفسه، وأصدق قولًا وأحسن حديثًا، فاجتمع في خبره كمال العلم، وكمال الصدق، وكمال الإرادة وكمال الفصاحة والبيان فوجب قبوله والإيمان به‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏والسؤال عنه‏"‏ أي عن كيفيته بدعة، لأن السؤال عنها لم يعرف في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا خلفائه الراشدين، وهو من الأمور الدينية فكان إيراده بدعة، ولأن السؤال عن مثل ذلك من سمات أهل البدع، ثم إن السؤال عنه مما لا تمكن الإجابة عليه فهو من التنطع في الدين وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ هلك المتنطعون‏"‏‏.‏

وهذا القول الذي قاله مالك وشيخه يقال في صفة نزول الله تعالى‏:‏ إلى السماء الدنيا وغيره من الصفات‏:‏ إنها معلومة المعنى، مجهولة الكيفية، وإن الإيمان بها على الوجه المراد بها واجب، والسؤال عن كيفيتها بدعة‏.‏